اشرف العطار عضو بدأ الشغل
عدد المساهمات : 386 تاريخ الميلاد : 15/11/1975 تاريخ التسجيل : 16/10/2009 العمر : 49 العمل/الترفيه : مهندس المزاج : زي الفل
| موضوع: وقفات مع القرآن (1) الأربعاء مايو 19, 2010 4:01 pm | |
| وقفات مع القرآن (1)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد، فإن الوقوف مع كتاب الله عز وجل وفهم معانيه ومراد الله منه لهو قوت القلوب وزاد الأرواح وهو السبيل إلى تحقيق العبودية له سبحانه، يقول الله تعالى نادباً إلى تدبر القرآن : {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } ومن هنا فإننا بعون الله تعالى نورد بعض الوقفات مع بعض آيات الكتاب العزيز نـُجيل فيها الطرف هنا وهناك ، ونقرأها بعين القلب لتستقر في القلب ، نود من خلالها أن تكون هذه الوقفات محطاتٍ إيمانية يتزود منها كاتبها وقائلها وناشرها ،معتمدين بعد الله عز وجل على أقوال أهل التفسير فيها، سائلين الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص وحسن العمل بمقتضاها . اللهم آمين
الآية الأولى: يقول الله تعالى في سورة آل عمران {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ } يخبر الله تعالى في هذه الآية الكريمة عن النهاية الحتمية التي قضاها الله عز وجل على كل مخلوق، وتأمل كلمة ( كل) وهي من ألفاظ العموم من إنس وجن وحيوان ومَلـَك – كما قال الجمهور– ...الموت تلكم الحقيقة التي لم ينازع فيها ذو عقل...هذه الحقيقة يعرضها القرآن الكريم بمذاقها المرّ، ولا يعرف طعم الموت إلا من ذاقه وهو ما عبر عنه عمرو بن العاص حين سأله ولده : يا أبت قد كنت تقول : إني لأ عجب من رجل ينزل به الموت ومعه عقله ولسانه كيف لا يصفه ؟ فقال : يا بني الموت أعظم من أن يوصف ! ولكن سأصف لك منه شيئا : والله لكأن على كتفي جبال رضوى و تهامه ! وكأني أتنفس من سم أبرة ! ولكأن في جوفي شوكة عوسج ! ولكأن السماء أطبقت على الأرض وأنا بينهما! فتخيل معي أخي تلك الحال وقد نزل بك الموت فاعتقل منك اللسان...وشلت الأركان...وتوقف الجنان واشتد بك نزع الموت واشَتد نَزْعِي وَصَار المَوتُ يَجْذِبُـها * مِن كُلِّ عِرْقٍ بِلا رِفقٍ ولا هَوَنِ واستَخْرَجَ الرُّوحَ مِني في تَغَرْغُرِها * وصـَارَ رِيقي مَريراً حِينَ غَرْغَرَني
( إلى ربك يومئذ المستقر) ولذا روي أن الحسن البصري رحمه الله رجع من جنازة ، فبال دماً من شدة الخوف، ثم سئل عن سبب خوفه فقال: لقد رأيت منظراً والله لا زلت أعمل له حتى ألقاه ( وإنما توفون أجوركم) : أي تكمّل لكم أجور أعمالكم إن خيراً فخير وإن شراً فشر...متى؟ يوم القيامة...يوم يبعثر ما في القبور، ويحصّل ما في الصدرو...يوم تكشف الضمائر ، وترفع الستائر، وتفضح السرائر، وإذا بأعمال كان المؤمل عليها بعد الله تظهر على حقيقتها أنها كانت لغير الله، وأخرى كان الناس يستقلونها ويزدرون أصحابها وإذ بها تقع في كفة الميزان بمكان، لترجح بها فيصار بأصحابها إلى الجنة ويستدل بهذه الآية على أن نعيم القبر وعذابه حق...إذ أن كلمة ( توفون) تعني توفية الأجور وتكميلها – على الطاعات والمعاصي – يوم القيامة. بمعنى أن هناك أجوراً قبل يوم القيامة لكن ليس بالكمال والإيفاء، وهو ما يكون في القبر. وبهذا خالف الزمخشري رحمه الله – وهو معتزلي – مذهب أصحابه القائلين بنفي نعيم القبر وعذابه...فلله الحمد والمنة ( فمن زحرح عن النار..) الزحزحة: تعني التنحية والإبعاد من تكرير الزح وهو الجذب بعجلة. ( فقد فاز): أي حصل له الفوز المطلق اللامنتهي بالنجاة من سخط الله وعذابه السرمدي، وتأمل التعبير ( زحزح) فمجرد أنه يـُنحى عن جهنم فهذا بحد ذاته نصف الفوز لشدة حرّها وأليم عذابها – أجارنا الله وإياكم منها – يقول عليه الصلاة والسلام كما ثبت عند مسلم من حديث أبي هريرة(نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ قَالُوا وَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا) إنها جهنم التي يكذب بها المجرمون يؤتى بها كما صح عنه صلى الله عليه وسلم ولها سبعون الف زمام مع كل زمام سبعون الف ملك يجرونها، تشهق على الكافر شهقة البغلة الجوعاء على الشعير، فلا يبقى نبي مرسل ولا ملك مقرب إلا جثا على ركبتيه نعوذ بالله من حرها ويبقى النصف الثاني من الفوز ( وأدخل الجنة) ، ولا سبيل إلى هذا الفوز إلا بالتوحيد الخالص لله وأداء الحقوق إلى أصحابها كما قال عليه الصلاة والسلام (من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ويأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه) رواه أحمد ومسلم ( وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) شبه الدنيا بالمتاع بدون أداة تشبيه لشدة التصاق الصفة بالموصوف، والمتاع إذا أطلق أريد به الشيء الذي ينتفع به، لكنه هنا أضيف إلى الغرور وهو الإنخداع بالباطل، فصار تشيبه الدنيا بالمتاع الذي يـُدلس به على المشتري ويـُغرّ به ثم يتبن له فساده ورداءته...والمدلس هو الشيطان وهذا يقال في حق من آثر الدنيا على الاخرة، أما من اتخذ الدنيا قنطرة يعبر بها إلى الآخرة وبـُلغة لها فإن الدنيا في حقه متاع بلاغ لا متاع غرور وأخيراً فإن هذه الآية الكريمة جاءت في أعقاب الحديث عن غزوة أحد التي أصيب بها المسلمون... تسلية للمؤمنين ولتؤكد أن كل مصيبة دون الموت تهون، وأن الدنيا وأكدارها لا تساوي مرارة لحظة يجدها الميت وهو ينزع، فمن أصيب بمكروه أو فاجعة فليتذكر المصيبة الكبرى والخطب الأجل وهو الموت ....عندها تنقطع حيازيم الأمل والله اعلم واحكم
| |
|